23‏/11‏/2008

سهام بلخوجة ترقص على صراط الاسلام المتشدّد في تونس

فعلا هناك سقف للحرّيّات في أيّ بلد من البلدان، حتّى وإن كانت البلدان الاكثر ليبراليّة في العالم، وحين يتحدّث الرّأي العام العربي عن الممكن والمحظور في البلد العربي، فإنّ الجبهة الثقافيّة وهي أوّل جبهة من جبهات هذا الرّأي العامّ الذي ما يزال في طوره البدائي،

لا تكلّ عن وصف النّظام العربي بأنّه نظام مقصّر تجاه الحرّيّات، ولاشكّ فإنّ هذا الملفّ يحتاج إلى تدقيق ورصانة، لا تهدف إلى التّجريم المباشر للنّظام العربي بمثل ما لا تقلّل من قيمة تشخيص المثقّف العربي لهذه المعطيات. ولكن ألم يتورّط المثقّف العربي في تكبيل هذه الحرّيات وجعلها أضيق أحيانا ممّا سعى إليها النّظام العربي، أليست الرّقابة الذّاتيّة المغالية، والاستقالة الواسعة، والصّمت الرّهيب، هي أسباب مباشرة في ضيق رئة حرّيّات التّعبير في المنطقة العربيّة؟ من يرسم الخطوط الحمراء: النّظام العربي بمفرده أم بمؤازرة واعية وغير واعية من لدن المثقّف العربي؟

استمعت قبل أيّام لحوار مطوّل أجرته إذاعة تونس الدّوليّة مع المبدعة سهام بلخوجة التّونسيّة إلى أخمص قدميها وهي راقصة الباليه ومديرة مدرسة الفنون والسينما بتونس ومديرة مهرجان الفيلم الوثائقي. كنت أنصت إلى ردهات الحوار بين مصدّق ومكذّب، فقد تمكّنت سهام بلخوجة من طرح مسائل ثقافيّة شائكة حيث الثقافة الوجه الاخر من عملة السّياسة. كان الحوار يدور حول تجربتها الفنّيّة، عن الرقص، والسينما وعلاقة المواطن التّونسي والعربي بالرّقص كفنّ نبيل، كان يمكن للحديث أن يأخذ مجراه العادي لولا أنّه كان مع مبدعة ناريّة الطّبع، جريئة في جرأة "الكاميكاز"، وغيورة على تونس غيرتها على قلبها النّابض بالصّدق. جعلت سهام من الحوار رقصا على ما يسمّى بالخطّ الاحمر في المنطقة العربيّة. قالت بشجاعة إنّها متألّمة في السّنوات الاخيرة لانّها لم تعد تواجه الجمهور الذي واجهته قبل أكثر من خمس عشرة سنة، لقد لفتت تجربتها في السّابق أنظار عموم النّاس، فجلبت استحسان النسّاء والرّجال من الشّمال إلى الجنوب لكنّها في جولاتها الاخيرة بفرقتها الرّاقصة بدأت تتيقّن من أنّ شيئا ما يحدث في تونس، خاصّة في المناطق الدّاخليّة والجنوبيّة، هناك متغيّرات تحدث ولا أحد يتحرّك، قالت سهام بجرأتها أنّ موجة غريبة من التّديّن المتشدّد تعلو في هذه المناطق، وأنّها لم تعد تُستقبل كالامس البعيد، أصبح عدد النّساء اللّواتي يواكبن عروضها أقلّ من العادة، والرّجال ينظرون إليها بازدراء مثل من يرميها بالمحرّمات، لقد لمست سهام تحوّلا غريبا في المجتمع التّونسي ردّته مباشرة إلى التّأثير البالغ لنوع من التّفكير الذي يفد من الخليج العربي عبر الفضائيّات ليتغلغل في التّربة الثقافيّة التّونسيّة التي عرفت بتسامحها ولينها ووسطيّتها، ولم تقف سهام عن الملاحظة والتحسّر قالت بأنّ مكسبا بورقيبيّا قد تلاشى وقصدت بذلك أنّ الرّهان الذي رفعته تونس منذ الاستقلال إلى اليوم على المرأة كعنصر فاعل في المجتمع هو بصدد التّزلزل. قالت أيضا أنّها لم تصمت، فحدّثت بعض الوزراء الذين تعرفهم، حادثت المسؤولين في السّلطة الثقافيّة والسياسيّة، أي رفعت سهام أفق الحرّيّة الممكنة وطرحت في إذاعة وطنيّة ما يجب أن يطرح بلا قفازات، كلّ من كان يستمع إلى سهام ظنّ أنّه ينصت إلى إذاعة خارجيّة ولكن بالفعل سهام تتحدّث في إذاعة تونسيّة عن وضع "إسلاموي" مخيف، عن شبح يتهدّدنا جميعا. ولم تتوقّف سهام عن الحديث بطلاقة، قالت بأنّها سليلة أسرة بلخوجة، وهي عائلة متديّنة في تونس، وهي حين ترقص وتنشط في مجال فنّ الرّقص وتدير فرقتها وتشجّع الفتيان والفتيات على الرّقص فهي تُعطي نموذجا للقيم المعتدلة التي رفعتها أسرة بلخوجة، فهي تواصُلٍ لهذه الاسرة في معناه العميق، وما الرّقص غير تحرير لعقل الانسان وفاعل فنّي من جملة فواعل بناء الذّائقة لدى المواطن العربي.

حين تتحدّث مثقّفة عن الاسلام المتشدّد وتدينه بشكل مباشر، بل وتشير إليه انطلاقا من تجربتها الخاصّة، وتقدّم إشارتها في شكل صيحة فزع فإنّ ذلك يحتاج إلى مساندة. في كلّ لحظة من الحوار يتوقّع المرء أنّ مقصّ الرّقيب سيتدخّل وأنّ محاورها سيقطع الحوار ولكنّ الحوار تواصل دون أن تشعر سهام بمضايقات فهل لانّها تتحدّث في منبر إعلامي يتوجّه أساسا إلى حاملي اللّغة الفرنسيّة؟ هل بهذا المعنى تكون الحريّة متاحة في لغة الاخر وغير متاحة في اللّغة العربيّة؟ هل لانّ المواطن التّونسي تقهقرت لغته الفرنسيّة ولا مانع في أن نباشر الملفّات السّاخنة بلغة غير لغة الفهم القومي؟

أسئلة تدعو المثقّف التّونسي إلى أن يباشر مثل هذه القضايا في المنابر الاعلاميّة النّاطقة بالعربيّة خارج الرّقابة الذّاتيّة المشطّة

لم تتوقّف سهام في حديثها عن الرّقص، كلماتها كوريغرافيا الحرّيّة الممكنة. قالت بأنّها تسعى إلى تحرير الرّجل في مجتمع ينظر إلى رقص الرّجال كعيب دائم! وبالطّبع فإنّ جزء من موانع تحرير المجتمع هو السّكوت عن الخطر القادم. لقد أدركت سهام ضيق رقعة الرّقص في التّقبّل والممارسة في تونس اليوم، ولكنّها رفضت أن تسكت، رفضت أن تكون بوقا دعائيّا لمن يتقوَّلُ بأنّ الحرّية مغتالة، وتكلّمت، ترفع بيديها وصوتها موسيقى الحرّيّة.

بقلم: د. نزار شقرون(*)

الصباح

هناك 7 تعليقات:

نادر الحر يقول...

مرحبا : علي
*************
نعم..ياصديقي لقد أستشعرت سهام بالخطر..ولاحظناه جميعا
- الخطر الاكبر علي تونس والعالم العربي هو هذه القنوات الفضائية الاسلامية التي تتسلح بالاموال التي تفوح منها رائحة النفط ..هذه الفضائيات التي تتحرك علي أرضية الفكر الوهابي الظلامي..تدخل كل بيت مجانا دون إذن من أحد ومن خلال شيوخ الظلام وفقهاء الموت وأئمة التعصب والتخلف تقوم بتصدير أفكار صعبة متحجرة غير قابلة للمرونة..وحشو أدمغة الشباب وملء عقولهم بتشريعات عمياء أكل الدهر عليها وشرب.
- لقد كان بالاحري من وزراء الاعلام العرب الذي قرروا في إجتماعهم الاخير في دولة قطر : بعدم المس بالشخصيات السياسية..كانوا بالاحري بهم ...سن قوانين ولوائح تلجم أفواه هولاء الفقهاء والشيوخ.

تحياتي صديقي

Free.Ali يقول...

مرحبا عزيزي نادر
نعم هذا هو الخطر وهناك مسألة اخرى مهمة ذكرها كاتب المقال وهو هروب المثقفين من النقد باللغة العربية والإختباء وراء الفرنسية لكي يبقى كلامهم نخبويا ولا يصل إلى الجمهور العريض "العامي"
وهذه أراها نقطة مهمة أيضا

Free.Ali يقول...

لكني صراحة أقدر في سهام جرأتها

غير معرف يقول...

جريئة فعلا ...لن تصبح تونس مرتعا للملتحين
ابد
http://odenn.blogspot.com/

Tunisian and proud يقول...

ممكن مدام سهام كلات كبوط و ماعاش حد يجي للحفلات متاعها لانها لم تعد في الموضه و اللي مشي لتيستو في الحمامات يعرف اللي مازال للرقص عشاق في تونس

Free.Ali يقول...

عزيزي Tunisian and proud

أدخل هنا وأقرأ التعاليق وستفهم مدى صقك رؤية سهام بالخوجة.
ربما يكون في تعليقك جزء كبير من الحقيقة لكن هذا لا يعني أنا ما قالته سهام خطأ.

Hagar يقول...

الدين يسر وليس بعسر تحياتى